لنغيِّر نمط عيشنا ولنتصرَّف بذكاء
مقتطفات من عظة رأس السنة التي ألقاها المطران الياس عوده، متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس، صباح 1 كانون الثاني (يناير) 2010
نتوجه إلى الرب الخالق لنسأله البركة في بداية السنة، ونطلب إليه أن يجعل السنة المقبلة سنة خير ورفاه واستقرار بإرسال الأمطار في أوقاتها، وانتظام الرياح، واعتدال الفصول وسائر أسباب الخِصْبِ ووَفْرَةِ الغلال. لطالما كان انتظامُ الكون موضعَ تساؤلٍ وتعجب عند العلماء، وغير المؤمنين منهم بشكل خاص.
لطالما فتش الملحدون عن سببٍ علمي لهذا التناغم العجيب الفريد في الطبيعة وما زالوا. وجوابُنا نحن معشرَ المؤمنين بالله الواحد أنه هو تعالى مَن خلق هذا الكون على هذا الشكل المنسّق وهو من ملّك الإنسان عليه. ولكن ماذا فعل الإنسان؟ عوض أن يحافظ على البيئة التي يعيش فيها، لكي يحافظ على نفسه، على حياته وحياة ذرّيته، راح يعيثُ فيها خراباً.
الإنسان مبدعٌ خلاّق حين يشاء، وأنانيٌّ هدّام في معظم الأحيان، يسخّرُ كل شيء لمصلحته، غير عابئ بالنتائج السلبية لأعماله، وغير مهتم بمن سيأتي بعده. هكذا، على مر الأجيال، وبسبب تعدّيه على الطبيعة، بدأ نظام الطبيعة يتبدل، فلم نعد نشهد فصولاً أربعة، وارتفعت حرارة الأرض وعمَّ الجفاف والتصحّر والتلوّث فانقرضتْ أنواع نباتية وحيوانية، وزالت غابات كثيرة، وكثرت العواصف والأعاصير والفيضانات. ونتج عن هذه الكوارث الطبيعية تشريد الملايين، فشهدنا بعد لاجئي الحروب لاجئين بسبب الكوارث الطبيعية، وبعد الجوع بسبب الفقر جوعاً بسبب شح الموارد الطبيعية. وهناك مَن يبشرنا بخطر ذوبان الكتل الجليدية إذا استمرت حرارة الأرض بالإرتفاع، بسبب انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، مما سيؤدّي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر وربما إلى زوال بعض الجزر والبلدان.
صورة سوداوية بلا شك، تجلّت بشكل واضح بعد قمة كوبنهاغن التي تلاقى خلالها مسؤولو الدول لمعالجة مشكلة هذا الكوكب الفريد الذي نعيش عليه.
نحن لا نعرف الكثير عن بقية الكواكب، والأمر العجيب أنّ الإنسان يحاول اكتشافها ويهدر الوقت والمال من أجل ذلك، ولم يَعِ إلاّ متأخراً أنّ عليه الإهتمام بكوكبه، بالأرض، وحمايتها بكل ما تختزنه من خيرات وما تحويه من تنوّع بيئي، وأنّ عليه الحفاظ على توازنها ليحافظ على الحياة عليها.
إنّ تأمين بيئة حية نظيفة مسؤولية مشتركة علينا جميعاً نحن البشر أن نتحمّلها. وأعتقد أنه يتوجب علينا تغييرُ نمط عيشنا والتصرّفُ بذكاء والتخلّصُ من العادات السيئة للحصول على نوعية حياة أفضل.
وهناك أمور بسيطة للغاية، إذا حاولنا القيام بها، نكون قد ساهمنا في الحفاظ على بيئتنا ومددنا يد العون للمسؤولين الذين نطالبهم بالكثير وقد نبخل عليهم بالقليل مما هو في مقدورنا.
فماذا يُكلّفنا إذا زرع كلٌّ منا شجرةً في أرضه أو شتولاً على شرفة منزله، وإذا خفف من هدر الماء أو الطاقة، وإذا تجنّب صيد الطيور لتبقى سيمفونية زقزقتها تملأ السماء، أو توقّف عن قطع الأشجار أو التسبب في حرق الغابات أو تلويث الهواء؟
ولمَ لا يكون كلٌّ منا صديقاً للبيئة فلا يستعمل ما هو مؤذٍ لها ويستبدله بما هو مفيد؟ لِمَ لا نستعمل مثلاً الطاقة الشمسية عوض مصادر الطاقة الأخرى، وقد حبانا الله مناخاً تشرق فيه الشمس كلَّ يوم تقريباً؟ ولِمَ لا نستعمل مصادر الطاقة المتجددة التي يكثر الحديث عنها في أيامنا كالرياح والمياه والشمس لتوليد الكهرباء عوض الاتكال على المعامل أو المولدات التي تنفث سموماً في الهواء؟ ولِمَ لا نزرع الأشجار في مواقع الكسارات والمقالع التي استنزفناها، وكلنا يعرف أنّ الشجرة تختزن الكربون الذي يسبّب الاحتباس الحراري وتعطي الأوكسجين الذي ينقي الهواء؟ ولِمَ لا نفرز النفايات ونستفيد منها عوض تكديسها في بعض الأماكن وتشويه البيئة وإيذائها؟ ولِمَ لا نحافظ على المساحات الخضراء عوض هدرها من أجل بناء الأبراج وتكديس الباطون؟
الأمثلة كثيرة ومعظمها في متناول الجميع. ومتى عمّ الوعي البيئي وخفّ الجشع وتحسَّنَ السلوكُ البشري، ربما خفّ أنينُ الطبيعة وخفّ الضرر الذي يلحق بالإنسان وبسائر الكائنات الحية.
ربّنا خلق الكون وما فيه، ثم خلق الإنسان مَلِكاً على الكون، ومن واجب الإنسان الحفاظ على نفسه وعلى بيئته، وكلها نِعَمٌ سماوية، لذلك درجت العادة على تقديم بواكير الأرض للخالق، عربون شكر وتمجيد.
ربَّ قائل ما بالك مهتم بالطبيعة والبيئة والإنسانُ في بلدٍ قد لا يجد مَن يهتم به.
في القديم قيل صاحب الحق سلطان. لا أدري إن كان هذا المَثَل ينطبق على أصحاب الحق في أيامنا، لأن بعضهم قد لا يجدون مَن يعترف بحقهم أو يدافع عنهم للوصول إلى حقهم. وأنا أقول هذا القول بمرارة لأني أعرف بعض هؤلاء.
إن لم يكن الإنسان محترماً في وطنه فهل يُحترم هذا الوطن؟ نحن نفترض أن احترام الإنسان وحقوقه أولوية الأولويات، وهو موضوع غير قابل للنقاش، والأديان السماوية جميعها دعت إلى ذلك، ودساتير البلدان الراقية تصون حقوق الإنسان وحريته، لذلك كان حديثنا اليوم عن الطبيعة التي يشوّهها الانسان.
المطران الياس عوده: من أجل بيئة حيَّة